Sunday, May 20, 2007

الولد

لم يكن عبد القادر قادراً على فرد ظهره أو الاتكاء على فأسه لكي يوغل في تعديل الخطوط وجعلها مستقيمة ناهضة .
لماذا يعدَّل من وضع الخطوط وما استطاع أحد أن يقوي ظهره .. أيظل شارداً في مغيبه ؟ .
شمسه لن تشرق أبداً ! ! !
قال كفى قد تعبت .
ولم يكن قد سَوَّى شيئاً .. الأرض أفعى تلتهم رؤاه .
تلك الأرض قد حرثها آباؤه .. هو الآن يحرثها بطناً بعد بطن .. وولداً بعد والد .. كان يفكر بينما الدموع لمعت في عينيه ، وتلوَّت الفأس بين يديه فسقطت دون إرادته .. كادت تفتك بأصابعه .
[ لماذا كل شئ يريد الفتك بي ؟ ! ألأنني وحيد ؟ .. أم أني قد كبرت إلى الحد الذي لم أعد فيه قادراً على محاسن .. عود ريان .. تشد جلبابها حول وسطها .. ثم تتدلع في مشيتها ]
كان يعرف أنها ليس لها ذنب وأنه جعل أبيها يوافق على تزويجها له _ ستصبح سيدة داري _ كانت صغيرة تلعب في الشارع غضه ،طرية ، تتفتح .. قال تتفتح في داري ، على خيري .. تلد الولد فيشد أزري .. عندما أكبر .. هاأنذا أكبر وأشيخ . والبنت _ رغم حملها _ تلبس الجلابيب الملونة .. تشد جلبابها فتتحدد ملامح جسدها الصفصاف الذي بدء يتلوى أفعى هي الأخرى كالأرض ولن تبتلعني .. سأبتلعها بحكمتي .. أينا ابتلع الآخر ؟ ! ! !
قال حين سمع الآذان _ وكان يوم جمعة _ يا رب ولد .
لم يكن قد انتهى من وضوئه حين كان الإمام قد اعتلى المنبر .. وبسمل ثم دعا الله وأثنى على رسوله الكريم . قال [ المال والبنون زين الحياة الدنيا ]
قال عبد القادر في نفسه صدقت . حاول جاهداً أن يخلص من أفكاره وينصت .. كانت الآية تلح .. المال والبنون
قال ماذا سأفعل إذا جاءت …
كان قلبه يخفق .. ويفيق .. وتتعدل الصور .. تبدو محاسن مسكينة ، صورتها وهى تغني " ست ام علي .. علي فين "
لا تفارقه .
أفاق على جلبة النساء _ في داره _ بجريهن الملسوع .
أدرك أنها اللحظة .
وتذكر الخطيب .. والدعاء .. فانشرح .
سمع صراخاً متوجعاً وجلبة .
تبعها صراخ الوليد .
قفز نحو الباب دفعة واحدة .
قالت " الداية " : ولد .. ولد يا عبد القادر .
انحشرت في عروقه الفرحة .
تقلص صدره . كأن كل الهواء نفد .
وسقط .









الولد

Tuesday, May 8, 2007

موائد اللئام

موائد اللئام
العربى عبدالوهاب


· عند المغيب تقريبا كان يفترش بلكونة أرضية ، كسنوات مهدرة ، كان يدرك أن الصندوق الحديدى الذى يتكور فيةه قد أوشك أن يفر بعمره الفائت
فايزه أحمد تسرب عناءها الشجى الى مسامات روحه " ومعايا .. وانت معايا "
وتأخذ الآلة الجهنمية عملعا على استحياء للموسيق سحر يجر الزمن والمواقف الى ساحة الفعل بأ يشعر أن الفوتيه يحتويه تماما ومع قرب انتهاء الأغنية ، كانت كل سنوات عمره تغوص فى رماد الحاضر .
لو تمكن من اشعال ضوء واهن فى السبرتاية ، ليصنع شايا صورة ابنه الذى انتحر صارت أمامه .. وتغلغلت فى مسامه ملامح القهر كثعلب جبان يتخفى وراء الأيام والولد لما آلمته كرابيج التكرار أصر أن يرمى للبحر ما تبقى من الجسد
آه للأسماك شهوة قاتلة .
ورآه يشير بيده
( ها أنت قادم
لامحالة
أنهكتك الحروب
والشاشات
ومرارة الانتظار
استرح
يا حبيبى
ـ كان الشاى داخلا بقوة فى الغليان ـ
ويده وهو يضعها على كتف أبيه لم تفارقه على قدر ما مر من سنوات ....
للشاى مذاق مـرٌ
صار غير قادر على تحديد الزمن الذى قرر فيه أن يشرب شايا ويعتاد عليه
بملعقة واحده .
كان فى البأ يستطعم المرارة
سمعها تقول أنت لست قصيرا إلى الحد الذى تلوم فيه والديك
كان فى الحقيقة لا يعلم شيئا عن الجينات ـ حتى ذلك الوقت ـ وربما لم يسمع بالكلمة إلا قبل إحالته للمعاش .
الأولاد الآن يتقاذفون الكرة ، فينهض الغبار
قال عندما يكبرون عادة ما يفتحون للأهل بوابة خضراء .
قبل أن تسافر مع زوجها ، همست فى أذنه ـ والطائرات كالقطارات تئز أزيزا قبيل الانطلاق ـ خلى بالك من نفسك
وبرقت فى عينيها دمعة ( وهكذا كان يظن ) لأنها حادثته فى السنة الأولى مرة كل شهر ولأن بحر المشاعر دوما الى انحسار .. كان صوتها يخفت ويبتعد .. ويبتعد الى أن صار حلما بعيدا لم يعد يراوده
ملعونة أنت يا فايزه أحمد .. قال فلأقطع الخيط الذى يشد المواقف ويرصها بجوار بعضها هو لايرغب حقا فى قراءة عوامل الزمن وأفاعيله .. فقط عليه أن يستطعم الشاى على هذا الشكل .. ربما تكون قد برقت فى عينيها دمعة .. يراها الآن تسقط على خده .. نعم .
لامست أصابع قدمه الشبشب البلاستيك ، فقام الى الحمام لم يتمكن من الانفلات من المقعد كان قد ألم عليه .. جلس قليلا وتذكر الأصحاب ، عندما ارتفعت يده بالكنكة الصغيرة التى تكفى كوبين انهمر الماء فى الكوب محدثا صوتا هو الصوت الوحيد تقريبا فى ذلك النهار .
قبل أن تعمل اتلملعقة فى الكوب وتصدر أصواتا أخرى حاول ثانية أن ينهض ليصل الى الحمام فى الشارع ارتفعت الكرة حتى حاذته تماما .
ظن أنه قادر على مـد يده كى يمسك بها فى المرة القادمة ..
هـزّ رأسه وهمس فات الميعاد يا فايزه
وقال : للحزن جلال يا ولد .
وتوقف الشريط اللحنى
وآلة التذكر ها هى تنهض باحثة عن وجوه تباعدت ؛ لذلك فقد هرب من الجلوس فى الصالة واستكان فى القفص الحديدى القائم فى الشارع دائما الغبيار يعم الدور الأرضى هو طوال عمره يشعر أنه تحت كان يقول الحميمية تتولد بحق حين تعيش فى وسط الناس
يمسك بكوب الشاى .
الأولاد يتصايحون ، يسعون ىبجدية مع اندفاع الكرة د
واضح أن لاأحد منهم يراه
ارتفعت يد أحد المارة بالسلام ، هـمّ برفع يده ، واحتجز كمية من الهواء تمكنه من اصدار صوت .. أى صوت
إذا تطور الأمر الى البنجرة .
ولما كان العابر لا يرى أحدا ، أشاح بيده للوراء عندئذ قال للعابر : تفضل
تلفت الرجل محاولا مصدر الصوت الواهن ثم مضى كمن خدعته أذناه
بتكرار الصوت ثانية أحس الرجل ببعض الحروف التى تهمهم بالتحية
لم يلتفت هذه المرة فقط استم فى سيره المعتاد وبذات الجدية أشاح بيه وهو يقول دون أدنى التفاتة :

Thursday, May 3, 2007

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المهدي



كان الرجل مهدياً .
يقتل القتيل" ويتاويه " دون أن يرمش له جفن .. أليس هو من صاحب أولاد الليل .. يقال أنه شيخ منسر .. كل الناس تعرف المهدي
إلى أن جاء يوم نظر ولده الوحيد عطية بعد خمس بنات وكان قد دعا الله فأعطاه عطية لف به شوارع القرية على كتفه . الولد قرة العين وبهجة الروح يسر الناظرين قال المهدي الحمد لله ..
واهتدى ..
..
في صباح جديد . كانت إشاعات تملأ البلدة ، بأن المهدي حفر داره القديمة كي يقيم جدرانها فوجد تحتها كنزاً ..
زلعة مملوءة بجنيهات ذهبية خالصة
قيل : كان جده غنياً ..
حكايات كثيرة أكد المهدي صدقها جميعاً وسار ضاحكاً لكنه يعرف أن كنزه هو ثمن ما اقترفه من معاص في أيامه الغابرة ..
..
إلى أن جاء يوم
تغير كل شئ وأبان وجهه الكئيب .
بات ليالٍ بعيداً عنها .. لا يذكر بدء حملها في عطية . لو كانت على قيد الحياة لسألها تلك الملامح ، أليست قريبة منه ؟؟؟ !
كاد المهدي أن ينقطع عن الأكل والكلام والصلاة وعطية يعود كل مساء مسطولاً .. فيتملاه طويلاً باحثاً في وجهه عن علامات تقرب بينهما .
ما أبشع وسوسات الشياطين
يقتلني ؟؟ !
انتفض المهدي فاتحاً فمه ضاغطاً بفكيه على بعضهما . لم يبرحه الشرود والدهشة بعدما سمع ذلك . ليته يضرب . يسرق .. يقتل . أهون عليه من الموت الذي هو فيه .. لكنه استعاذ في البداية ــ مجرد ترديد ــ لعله يفيق .. كرر الاستعاذة . فدب داخله نشاطاً لا يعرف كيف تملكه فقام وتوضأ .. وصلى ..
أخذته نوبة من الصفاء الحزين بعدما أكثر من القيام والسجود والتسبيح . كأنه سمــــع
[ إن كان والدك حقاً لن يقتلك يا مهدي ]
قال لنفسه : وإن قتلني يكون جزاء لأيامي الغابرة .
جزاء العيون الساهرة التي تنتظر نوم الغافلين .. ملثم الوجه يسير أمامهم وهم خلفه يخترقون هدوء البلدة . يشهر بندقيته في وجه الخوف الذي استقر في القلوب . يعود الخفراء من الطريق معلنين أمام العمدة ضياع الأثر والبهائم تحت ضوء القمر ، تخترق عيونهم . لكنهم يعودون عند سماعهم أمر المهدي
: ارجعوا .
الآن ينتظر المهدي لحظة خلاصه .. يسقط في جب قلقه لا يعرف هل يضم عطية إلى صدره . أم يقتله قبل أن ……
..
تلك الليلة تمادى عطية في شد أنفاس المعسل مطلقاً .

الدخان الأزرق ليملأ الجدران والبلدة .
العيون تنتظر أن يخرج حافظته ، ولما لم يفعل
قالوا : عطية لا تأتِ إلي مجلسنا .. ولم يفهم .
قالوا : عندما تصبح رجلاً وحافظتك بها نقود . دار كالثور صارخاً ــ برغم عمره الذي لم يتجاوز العشرين ــ أنا رجل يا أهل طاروط . وابن المهدي . ومن يرى غير ذلك يريني نفسه
ــ رجل بدون حافظة ؟ .. بدون جنيهات ؟ !
ترك مجلسهم الصاخب . وخيبته تلاحقه قال في الطريق لنفسه : هو عقبتى الوحيدة .
..
البندقية المعلقة في مكانها يعلوها غبار الأيام .
البندقية المعلقة تتلامسها يد مرتجفة .
تخدش صمتها الطويل عنوة .
السلم الذي يتوسط صحن الدار ،
كان رقيباً وحكماً
عند أعلاه وقف المهدي عوداً منتصباً ــ فقط ــ مخوخاً من داخله ينظر إلى عطية وقد رفع البندقية مصوباً نحوه
ــ سأقتلك
ــ اقتلني
ــ أعطني ما أحتاج
ــ لن أعطك مليماً
ــ أليس ما تملك في النهاية لي
ــ بعد موتي
ــ أنت الذي تجبرني
ــ أضغط يا ولد على الزناد .. كل شئ لك
انسحبت الدموع من عيني المهدي
زيَّق السلم تحت قدميه كأنه يحفز الولد .
جنون ما تملك المهدي وتسرب من بين شفتيه ، إلى البندقية أن تنطق
ما الذي أفقد عطية صلابته ؟! كيف انتصب المهدي ــ أمام عينيه ــ رويداً .. رويداً ، جملاً حنوناً .. ينخ ليركب عطية .. يدور به في أنحاء البلدة .. حنين .. حزن .. مكابرة .. خوف .واهتزاز .
كان الاهتزاز واضحاً مشدوداً من الداخل بالبكاء .. احتقن الحلق . وفرت دمعة .
طلعت من أعماق المهدي آهة عميقة مع اهتزاز ولده الضعيف الباكي .
وسقطت البندقية .
لم يكن المهدي خائفاً من الموت
كان الولد يهتز ، في كل هزة يحتضن أبيه أكثر .. احتضان حميم .. دافئ .. يسقط الوسواس في بئر مظلم .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قالب طوب


تلك حكاية قديمة تعاودني ،
كلما ضاقت عليَّ المسارب .
أظل سادراً في البعيد .. البعيد الذي لا يأتي ،
ممنياً الروح بالراحة . والجسد بالتلاشي .
على شكل فراشة في الحقول أصير .. على شكل يمامة .. أحب الحرية والفكاك . قالت أمي في ليلة صيفية _ وكنت صبيّاً _
[ كان البنَّاء في بيتنا القديم بالقرية ،
وكنت أنت ابن أربعين يوماً . . أبوك يناول البناء . .
وأنا أنقل لأبيك قوالب الطوب ..
ضحك .. تعليقات .. محمد أبو مصيلحي الذي جاء يساعدنا _ كان ابن موت _ يقول لي : أنت بالتأكيد لست في حاجة لولدك الرضيع .. كنت قد لففتك في خرق قديمة .. وتركتك في حجرة اكتمل بناؤها . .
فجأة . .
سقط قالب طوب .. وانقطع صراخك ..
سكتَّ تماماً .. سقط قلبي بين قدمي .. ضربت صدري ..ثم اندفعت كالمجنونة إليك ..
قالب طوب بجوارك واقفاً على حده ..
وأنت مبتسم وساكت ]
الآن .. أبتسم أيضاً .
أكملت دراستي .. تزوجت ، فأنجبت . ولم أزل أرى في أحلام الصحو قالباً من الطوب الطيني الثقيل ، قد مال عن حده .
ينتفض القلب بالحياة ، فتطير الرؤى
أنخرط في المتاعب والمشاهدات .
أمي تتلذذ بإعادة الحكاية .
تراني مبتسماً وساكتاً .